البطالة والفراغ يحاصران الشباب الجزائري

شباب يحتجون على البطالة بالجزائر ــ مصدر الصورة اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين
شباب يحتجون على البطالة بالجزائر (الجزيرة)

ياسين بودهان-الجزائر

في قريته المعزولة بشمال ولاية سطيف، يعيش الشاب دوادي مدوري ابن الــ 29 ربيعا يوميات لا تحمل أي جديد.

فكل يوم ينهض باكرا في الصباح ولا يدري أين ستكون قبلته، ولا أين سيمضي نهاره.

وكغيره من ملايين الشباب الجزائري، يعيش دوادي بين سندان البطالة ومطرقة الفراغ القاتل. ورغم أنه فنان تشكيلي، لم تشفع له موهبته التي نشأ عليها منذ الصغر في أن يظفر بوظيفة يبني بها مستقبله، ويعين بها والديه.

دوادي غادر مقاعد الدراسة باكرا ولم يكتب له القدر أن يلج أبواب الجامعة، أو حتى التعليم الثانوي. لكن ذلك لم يمنعه في أن يدخل عالم الرسم، رغم أنه يعاني من إعاقة بسيطة في إحدى يديه. ويكشف أنه فاز في 2015 بالمركز الأول في مسابقة أحسن إنجاز في فئة الخط العربي خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

جهده المضني في الحصول على وظيفة تعينه على نوائب الدهر، لم يمكنه، حسب حديثه لــ "الجزيرة نت" إلا من فرصة عمل مؤقتة كمعاون أمن في إحدى المؤسسات الشبابية، بأجرة زهيدة لا تتجاوزـ 40 دولارا في الشهر.

دوادي الشاب ما هو إلا واحد من 3.5 ملايين شاب جزائري، لا يمتهنون أي نشاط في حياتهم، فلا هم في مقاعد الدراسة، ولا هم في سوق الشغل.

ظاهرة مستدامة
ففي دراسة حديثة أنجزها مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية المعروف اختصارا بــ(كرياد) -وهو موقع حكومي- شملت نحو 2000 شاب وشابة جزائرية، جاء فيها أن ثلث الشباب الجزائري الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما تركوا مقاعد الدراسة ولم ينخرطوا في سوق الشغل، مما يعني أن نحو 3.5 ملايين  شاب وشابة جزائرية من مجموع 11 مليون خارج دوائر الدراسة وسوق العمل.

وتأتي هذه الدراسة في إطار مشروع بحث شمل خمسة بلدان عربية أخرى، هي: المغرب وتونس ومصر والجزائر ولبنان، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وشملت عدة محاور مثل المسار التعليمي للشباب، وبيئتهم الاجتماعية، ومدى اندماجهم في سوق الشغل.

وفي السنوات الخمس الأخيرة شهدت الجزائر احتجاجات واسعة ضد البطالة خاصة في مناطق الصحراء الغنية بالنفط.

لمدوري دوادي غادر مقاعد الدراسة مبكرا لكن ذلك لم يمنعه من ممارسة هوايته في الرسم (الجزيرة نت)
لمدوري دوادي غادر مقاعد الدراسة مبكرا لكن ذلك لم يمنعه من ممارسة هوايته في الرسم (الجزيرة نت)

ويكشف أستاذ الاقتصاد بمعهد العلوم الاقتصادية في جامعة عين تموشنت (504 كلم غرب العاصمة الجزائر) كمال سي محمد أن " نسبة البطالة العامة في الجزائر ارتفعت إلى ما  يقارب 11% حسب أرقام رسمية خاصة بالديوان الوطني للإحصاء".

وكشف أن "نسبة البطالة لدى الشباب ما بين 16 و24 عاما تقترب رسميا من 30%"، وهي نسبة يقول للجزيرة نت إنها "كبيرة وتحظى فيها النساء بمعدل أكبر مقارنة بالذكور".

وأوضح أن "المستويات المذكورة من البطالة بقيت لأكثر من عقد عند مستويات تتراوح بين 9% و11%، مما يجعل من البطالة ظاهرة مستدامة في الاقتصاد الجزائري".

وسجل عدة أسباب يقول إنها تقف وراء هذه النسب الكبيرة، أهمها ضعف النسيج الاقتصادي في الجزائر بسبب الاعتماد على عائدات النفط، كما أن السياسات الحكومية، في تقديره، لا تفعل أي شيء لتخفيف البطالة سوى توزيع الريع في شكل قروض مصغرة للشباب، ومنح اجتماعية زادت من كسل الشباب وعدم إقدامه على العمل.

أفق مسدود
وبشأن التداعيات الاجتماعية لتفشي البطالة في أوساط الشباب، يعتقد الخبير في علم الاجتماع عمار مانع أن ظاهرة البطالة لها تأثيرات متعددة ومتصلة ببعضها.

فالبطالة "لها تأثيرات اجتماعية ونفسية على الشباب، ما ينعكس على الاستقرار الاقتصادي والسياسي أيضا". وشدد على أن "الإحصاءات المعلن عنها خطيرة بسبب تداعياتها المحتملة عـلى هؤلاء الشباب الذين يعيشون في ظل أفق مسدود، ومستقبل غامض".

وشدد على ضرورة البحث عن أسباب الظاهرة القائمة برأيه على بنية مختلة، خاصة في قطاعات البناء والتشييد مثلا, التي تستقطب المهاجرين من دول أفريقية دون الجزائريين.

وتساءل "هل فرص العمل المعروضة في السوق تتلاءم مع التكوين الذي تحصل عليها بعض الشباب؟ وهل الشباب فعلا تحصلوا على تكوين يؤهلهم لولوج عالم الشغل؟

ويتابع بأن "هناك الآلاف من فرص العمل الشاغرة خاصة في قطاعات البناء والتشييد التي تستقطب المهاجرين من دول أفريقية دون الجزائريين".

المصدر : الجزيرة